الثلاثاء، 14 يوليو 2009

نفسي

قال الشيخ خليفه بن شخبوط :


مترى العَيِل من حينه كـل مْعنـى يخطيْـه

نفسي كوني رزينـه درب الخطـا داريـه

واقري سرْ البطينـه وبمّـا بغـى يخفّيـه

الغالـي تشتريـنـه ما من خسـاره فيـه

العـوف لا تخاوينـه بأدنى ثمـن بيعيـه

خلّـيـه لا تتليـنـه وسط البحر توحيـه

ويلا بخصتي عينـه بيبـن لـك خافيـه

واللّي مضيّـع دينـه كيف العهـد يوفيـه

تلك ابيات من ديوان الشعر النبطي الاماراتي النفيس
ومن تراثه الفكري الشعري الغالي وهي للشيخ خليفة بن شخبوط الشيخ خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان ابن فلاح :


واجمل مافي القصيدة خطاب الشيخ خليفة لنفسه ونصحه لها بشي وامرهلا لها بامر ونهيها عن أمر
وكل بيت من الابيات يستحق الوقوف عنده متاملا
ولنا ان نفعل ذلك فنقف عند البيت الاول حيث اطلق حكمة فقال :
مترى العَيل من حينه كـل مْعنـى يخطيْـه
ومجمل المعنى في هذا البيت انه يقول :
إن العيل وهو العجل أي المستعجل بعد قلب الجيم ياء في لهجة اهل الامارات يقول إن المستعجل من الناس دائم الخطأ والشيخ مستند بذلك على قول الشاعر العربي:

قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون معه المستعجل الزللُ
وهذا الاستناد لا يمنع أنه نتيجة اطلاع على أشعار العرب ولاغرابة في ذلك فإن الشاعر هنا أمير من علية قومه بل هو في زمانه رأس قومه وأميرهم
ولا غرابة في انه صاحب مجلس يغشاه أهل الادب والاطلاع من أهل زمانه ولا غرابة أن يكون الشيخ صاحب مطالعة لأشعا ر العرب ودواوينه كأشعار المتنبي وسواه وهذا أمر كان شائعا في مجالس الشيوخ والأمراء في ذلك الوقت على قلة المطبوع والمقروء ولربما كان ذلك نتيجة تجارب شخصية فاضت بها قريحة الشيخ الشاعر وتوارد الخواطر وارد بين الشعراء ليس العرب فقط بل حتى بين الشعراء في العالم كله فلربما وجدت بيت شعر عربي يوافق معنى عند حكييم او شاعر هندي او فارسي او اوربي ولا عيب في ذلك فما التجارب الانسانية إلا متماثلة متشابهة ومعانيها كذلك ولا يختلف سوى العبارات والتعابير والا لفاظ واللغات أما المضامين فربما تشابهت وتطابقت قال في ذلك الجاحظ عمرو بن بحر الجاحظ ، البصري الأديب المتكلم المعتزلي المتوفى سنة 225 هـ . وهو مؤسس علم البلاغة ((والمعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجمي والعربي والقروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخير اللفظ وسهولة المخرج وصحة الطبع وكثرة الماء وجودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضرب من النسج وجنس من التصوير)).

.........................

ثم يقول الشيخ مخاطبا نفسه بعد أن وضع القاعدة الاولى في البيت الاول يحثها على الالتزام بالرزانة
والوقار والتأني :
نفسي كوني رزينـه ** درب الخطـا داريـه
يعني يانفسي التزمي الرزانة وادرئي عنك درب الخطأ.
ثم غاص أكثر من ذلك في النفس الانسانية فقال :
واقري سرْ البطينـه وبمّـا بغـي خفّيـه
فهو يقول لنفسه لا تكتفي بظاهر الاشياء
بل ابحثي عن أكثر من ذلك أبحثي عن الخفي في نفس الزاعم للحب المدعي له فإذا علمت ذلك
علمت الغالي من الرخيص من الخلق فاشتري
الغالي فلا خسارة فيه ودعك من الرخيص الذي يسميه (العوف) وهي كلمة تعني الشين الخسيس من الناس فقال:

العـوف لا تخاوينـه بأدنى ثمـن بيعيـه خلّـيـه لا تتليـنـه وسط البحر توحيـه


أي لا تتخذي الخسيس أخا بل أرميه في البحر
ولا تتلينه أي لاتتبعيه ثم قال الشيخ خليفة كما قال أحمد رامي الشاعر المصري الكبير:
الصب تفضحة عيونُه
وتنم عن وجد شؤونُة
إنا تكتَّمنا الهوى
والداء أقتلُه ُدفينُة
قال الشيخ :
إلى بخَصْتي عينه
يبين لك خافيه
يقول إذا بخصتي أي نظرت وتحققتي من عينه يتبين لك مايخفيه وكلمة بخص تعني عند أهل الامارات
نظر بإمعان وتحقق جاء في القاموس المحيط : والتَّبَخُّصُ: التَّحْدِيقُ بالنَّظَرِ، وشُخُوصُ البَصَرِ، وانْقِلاَبُ الأجْفَانِ
ثم يختم الشيخ خليفة بن شْخَبوط قاعدة أخيرة كما بدء قصيدته بقاعدة هي الحكمة فقال
واللّي مضيّـع دينـه كيف العهـد يوفيـه

أي أنه من أضاع دينه فلا عهد له مذكرا بذلك مرة أخرى بقول أحمد شوقي حيث قال :
إذا الايمان ضاع فلا أمان
ولا دنيا لمن لم يحيي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين
فقد جعل الفناء لها قرينا
فهل من المستغرب أن يتفق شاعران أحدهما أمير شعراء الفصحى في زمانه ومازال وهو أحمد شوقي
وشاعر أميرعربي نبطي الشعر في معنى واحد
أقول لا غرابة في ذلك لأن النفس المفطورة على الايمان قناعاتها في الخالق وا÷مية الدين واحدة وإن اختلفت ثقافتها ومنابعها ومناهلها وأسلوب تعبيرها ولهجاتها .

وأغيرا عودا على بدء أقول أن أسرة آل نهيان أسرة
شاعرة يتعاقب فيها الشعراء يأخذ بعضهم من بعض
ويتأثر خلفهم الكريم بسلفهم الجميل ولا أدل من ذلم من هذه الابيات الجميلة للمغفوره الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي يبدو أنه مر بقصيدة سلفه الكريم الشيخ خليفه بن شخبوط ونهج منهجها بل وحاكى مطلعها واضاف تجربته الخاصة وقال
مترى العيل من بونه - ( الشيخ زايد بن سلطان )
مترى العيل من بونـه
ما يوصـل لـي يبـاه
لو جدّ يا مـن دونـه
ويخسر كـل اصدقـاه
بالخص لي يعرفونـه
ولي جربـوا مجـراه
الناس لـو يفهمونـه
الانسـان مـن مبـداه
لا بد له مـن سونـه
يغـيِّـر مـسـتـواه
بعد اختيـار المونـه
وظروفـه لـي معـاه
يرجي يعرف العونـه
والـعـدل يتـنـقـاه
ما يسمع لي يغوونـه
يشمـخ راس العـلاه
ينـزح مـا يلحقونـه
لـي تراودهـم دنـاه
يْعَزْل فـي مضمونـه
شروى منهـو شـراه
وطور البشر يطرونـه
فـي وصفـه ومْعَنـاه
اْلِعْبـاد مـا ينسونـه
في الوقت و في الحياه


إنتهى

هناك تعليق واحد:

  1. الفاضل الأستاذ سالم الزمر
    السلام عليكم ورحمة الله
    مررت بمدونتك الرائقة وأحببت أن أحييك، فهل تتكرم بقبول التحية؟
    محمد القدوسي

    ردحذف